و أنبتنا عليه شجرة من يقطين
ونبي الله يونس بن متي بعث إلي أهل نينوي, وهي محافظة في أقصي الشمال الغربي من الجمهورية العراقية, وتعرف محافظة نينوي اليوم باسم محافظة الموصل, ومدينة نينوي كانت عاصمة الامبراطورية الآشورية بعد مدينة آشور, ويرجع تاريخها إلي الألف السادسة قبل الميلاد, وقد وصلت أوج ازدهارها في النصف الأول من الألف الأخيرة قبل الميلاد خاصة في الفترة من704 ق. م إلي681 ق. م ولكنها دمرت سنة612 ق.م. وبقيت أطلالها علي الضفة الشرقية من نهر دجلة في مقابلة مدينة الموصل تقريبا, ولا يفصلهما إلا النهر, وإن سكنتها بعض القبائل حتي العصور الوسطي. وكان أهل نينوي قد انتكسوا إلي عدد من الوثنيات القديمة وعبدوا الاصنام بعد ان عاشوا فترة علي التوحيد الخالص لله, فبعث الله تعالي إليهم نبيه يونس عليه السلام يدعوهم إلي الإسلام القائم علي التوحيد الخالص لله
فلم يطيعوه..., بل عصوه, وكذبوا دعوته, فهددهم بعذاب الله, وتوعدهم به, ثم خرج غاضبا من بين ظهرانيهم قبل أن يأذن الله تعالي له بالخروج فلامه الله سبحانه وتعالي علي ذلك, حيث يقول وقوله الحق تبارك وتعالي :
وإن يونس لمن المرسلين* إذ أبق إلي الفلك المشحون* فساهم فكان من المدحضين* فالتقمه الحوت وهو مليم* فلولا أنه كان من المسبحين* للبث في بطنه إلي يوم يبعثون* فنبذناه بالعراء وهو سقيم* وأنبتنا عليه شجرة من يقطين* وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون* فآمنوا فمتعناهم إلي حين*
وامر سبحانه وتعالي ذلك الحوت ألا يهضم لعبده ونبيه يونس عليه السلام لحما, وألا يهشم له عظما, حتي يخرجه الله من الابتلاء الذي عرضه له سليما, معافي
وهذه المعجزة التي احدثها ربنا تبارك وتعالي لنبيه يونس عليه السلام معجزة إلهية حقيقية, والمعجزات لا تعلل, ولاتفسر, لأنها خارقة لقوانين الدنيا, وإن كان العلم يؤكد إمكانية ابتلاع احد حيتان البحر العملاقة لرجل, وبقاء هذا الرجل حيا في فمه لبعض الوقت دون ان يصيبه أذي كبير, ثم يلفظه الحوت, خاصة إذا كان من نوع الهركول العملاق, الذي يبلغ طوله نحوا من عشرين مترا, ويتميز بأنه لا أسنان له, وحلقه أضيق من إمكانية ابتلاع جسد الرجل.
فنبذناه بالعراء وهو سقيم* وأنبتنا عليه شجرة من يقطين* وأرسلناه إلي مائة ألف أو يزيدون* فآمنوا فمتعناهم إلي حين*
الشجرة التي أنبتها ربنا تبارك وتعالي ليظلل بها علي عبده ونبيه يونس بن متي, ويستره بأوراقها الكبيرة, ويداويه من سقمه بما في أوراقها, وزهورها, وثمارها, وأغصانها, وسيقانها, وعصائرها من مركبات هي شجرة خاصة معجزة, أنبتها ربنا تبارك وتعالي بأمره الذي لايرد, إلا أن الصياغة القرآنية: شجرة من يقطين توحي بأن المقصود هو عموم اليقطين الذي نعرفه. وهنا يظهر التساؤل المنطقي: وماذا في اليقطينيات من علاج للحالات المماثلة للحالة التي مر بها نبي الله يونس عليه السلام بعد أن التقمه الحوت ولفظه بالعراء وهو سقيم, أي مريض منهك القوي؟
وقد حاول الأخ الكريم الدكتور كمال فضل الخليفة الأستاذ المشارك لعلم النبات بجامعة الخرطوم الإجابة عن هذا السؤال في رسالتين جامعيتين تمتا تحت إشرافه للحصول علي درجة الماجستير في العلوم, وأعد موجزا عن نتائجهما في مقال بعنوان اليقطينيات وقاية وعلاج وغذاء نشره في العدد الرابع عشر من مجلة الإعجاز العلمي الصادر بتاريخ الأول من ذي القعدة سنة1423 هـ.وفي هذا المقال ذكر الباحث أنه اختار أربعا من اليقطينيات المشهورة في البلاد العربية وهي: قرع الأواني, والقرع العسلي, والعجور, والحنظل, وقام بزراعتها وتعهدها حتي أثمرت, وجني ثمارها, وفي هذه المراحل المختلفة قام بتحضير مستخلصات من مختلف أجزاء هذه النباتات الأربع مستخدما كلا من الماء, والكحول الميثانولي, والكلوروفورم في كل حالة, وتم له اختبار تلك المستخلصات ضد أربعة أنواع مختلفة من البكتيريا فأظهرت جميعها فعالية واضحة في مقاومتها مع اختلاف درجة تلك المقاومة باختلاف نوع النبات, واختلاف الأجزاء المختارة منه, والسائل المستخدم في عملية تجهيز المستخلصات, ونوع البكتريا.وكانت أعلي درجات المقاومة من المستخلصات المستمدة من الزهور بصفة عامة, ومن زهور وثمار الحنظل بصفة خاصة, ثم من أوراق القرع العسلي, وكان الكحول الميثانولي أفضل سوائل الاستخلاص.كذلك أثبت الباحث الأثر الواضح لليقطينيات الأربع المدروسة في مقاومة وطرد بعض الحشرات من مثل الذبابة المنزلية, وآفات المخازن, وفي الوقاية من الأمراض التي يمكن لهذه الحشرات ان تنقلها.وقد ثبت ان هذه المقدرة علي مقاومة الحشرات مردها إلي وجود العديد من المركبات الكيميائية المهمة التي لها تأثير وقائي وطبي واضح في مقاومة وعلاج العديد من الالتهابات الجلدية وتقرحاتها والامراض التي يمكن ان تنتج عن ذلك وقد ثبت بالفعل أن هذه المركبات الكيميائية لها تأثيراتها الفاعلة في علاج عدد من أمراض الجهازين الهضمي والبولي, وفي مقاومة بعض الأمراض السرطانية( عافانا الله جميعا منها). هذا بالاضافة إلي القيمة الغذائية العالية لثمار اليقطينيات المأكولة والقيمة الطبية للثمار التي لا تؤكل مثل ثمار الحنظل.وهنا تتضح روعة الإشارة القرآنية المبهرة في قول الحق تبارك وتعالي :وأنبتنا عليه شجرة من يقطين*